ووصف عبيد للمطر وأوصاف امرئ القيس- كل أولئك مع ما يحملنه من معاني الجمال وقوة البيان ودقة الملاحظة ورقة الإحساس ونبالته (مثلًا أبيات امرئ القيس في المطر والسيل) كل هؤلاء ملابسهن مع صدق النعت انفصام ملاحظة الشاعر عنه انفصامًا يجعله كالمشرف على ما يصفه من عل. أما ذو الرمة فكأنه يروم تفسير الطبيعة بنوعٍ من الإخبات لها واتصال الروحي مع أصنافها والذوبان فيها- ذوبانًا شبيهًا بمعاني التصوف ووحدة الوجود و «الوجدانية الرومنسية»(١).
عنترة في نعت روضته:
أو روضة أنفًا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم
يقارب هذا الاتحاد جدًّا ولا سيما عند قوله:«وخلا الذباب بها فليس ببارح» البيتين اللذين قدمهما الجاحظ كل التقديم. على أن عنترة مع هذا الذي قاربه من الاتحاد، ما زال مشرفًا إشرافًا على ما يصنعه- وهو مذهب القدماء الواضح الصريح.
تأمل مثلًا قول ذي الرمة يذكر خرقاءه:
تثني الخمار على عرنين أرنبةٍ ... شماء مارنها بالمسك مرثوم
ظاهر النعت ههنا أنه في حسناء من البدويات لها خمار وعلى أنفها نقطة طيب حمراء وباطنه متضمن لقول علقمة «كأن إبريقهم ظبي على شرف البيت» ونعته للأترجة التي بها نصخ العبير.
كأنها خالطت فاها إذا وسنت ... بعد الرقاد فما ضم الخياشيم
مهطولة من خزامى الخرج هيجها ... من صوب غادية لوثاء تهميم