للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبهجة صفة البرق والتطهيم صفة هذا الجسم الجميل. فهذا زعمنا أن ذا الرمة يجمع بين حسن جمال النساء وجمال الطبيعة وحرارة شوق المحب ودقة ذوق الفنان ذي الإحساس المرهف.

هل ظلم أبو عمرو والنقاد القدماء ذا الرمة حيث أخروه عن الفحول وقالوا إن شعره كبعر الظباء له طيب رائحة أولًا ثم يعود إلى رائحة البعر وكنقط العروس بهيجة المنظر أول الأمر ثم تضمحل؟

أم ليت شعري هل أزري بذي الرمة شبابه وفرط تأمله وتلمظه لما يتذوقه من المعاني والألفاظ؟

على أن أبا عمرو بن العلاء قد أنصفه إذ جعله خاتم الشعراء على منهج الأوائل، أحسب هذا ذكره الجاحظ، وقد لقي تلاميذه.

ومما جاء به ذو الرمة في الميمية التي منها ما قدمناه من الأبيات، على مذهب عنترة قوله في الجنوب وذلك بمعرض ذكره السير والصحراء حيث قال:

والركب تعلو بهم صهب يمانيةٌ ... فيفًا عليه لذيل الريح نمنيم

فالتفت كما ترى من نعت الركب والصهب وهي مطاياهم إلى نعت الصحراء ورملها الذي عليه نسج الريح.

كأن أدمانها والشمس جانحةٌ ... ودعٌ بأرجائه فضٌّ ومنظوم

وهذا كقوله من قبل في ولد الظبية «كأنه دملج نبهٌ البيت» والتشبيه جميل على أن فيه نعت الودع نفسه الفض منه والمنظوم. وأصل هذا التشبيه قول امرئ القيس:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب

<<  <  ج: ص:  >  >>