فانظر إلى جانب تداعي المعاني- ذباب عنترة- ذباب المثقب وحمامه- حمام حميد ولحنه الأعجمي ثم تناول الشعراء لهذا المعنى من بعد. فمع أنه لم يجيء به عنترة، مرده إلى قوله وهو الذي حذا عليه غيلان. وقوله «معروريًا رمض الرضراض إلخ» من أبيات طرب الجرس اللفظي الذي لا يخفى. وقد نظر في قوله «والشمس حيرى إلخ» إلى قول علقمة.
وقد علوت قتود الرحل يسعفني ... يومٌ تجيء به الجوزاء مسموم
حامٍ كأن أوار النار شامله ... دون الثياب ورأس المرء معموم
وقد انصرف ذو الرمة من صفة صوت الجندب إلى تصوير الشعراء له وهو يركض الحصى. ثم عاد إلى التشبيه العنتري في قوله:
كأن رجليه رجلا مقطفٍ عجلٍ ... إذا تجارب من برديه ترنيم
فصورة الرلجلين ههنا صورة الذراعين في قول عنترة «يحك ذراعه بذراعه» والمقطف بضم الميم على صيغة اسم الفاعل من الرباعي هو صاحب الدابة البطيئة فهو يغمزها معملًا رجليه. وههنا أخذ ومحاكاة للمكب الأجذم الذي في أبيات عنترة. وقوله «إذا تجاوب من برديه» فيه محاكاة لقول عنترة «يحك ذراعه بذراعه» - عنترة ذكر ترنمه وحال حركة ذراعيه يحك ذراعًا بذراع وليس الصوت صادرًا عن هذا الحك. وغيلان نسب الصوت إلى الجناحين في حال حركة الرجلين كرجل صاحب الدابة القطوف وليس الصوت صادرًا منهما ولكن من الجناحين أو من الجوف الذي هما عليه يكسوانه.
وأحسب أن نحو هذا الأخذ مما نقص بقدر ذي الرمة عند النقاد. على أنه كان من مذهبًا أشبه بالإشارة والتمتع بتذوق شعر القدماء مع ما هو فيه من التأمل