ولا شك أن أبا تمام نظر نظرًا شديدًا إلى هذا التجسيد المفتن في هذين البيتين حيث قال هو في مدح أبي دلف:
وقد علم الأفشين وهو الذي به ... يصان رداء الملك عن كل جاذب
بأنك لما اسحنكك الأمر واكتسى ... أهابي تسفي وجوه التجارب
لاحظ طريقه تتابع جناس السينات هنا كما يتابع الجناس عند ذي الرمة ثم جعل أهابي الأمر حين أظلم واسحنكك تسفي، أي ترمي بالتراب في وجوه التجارب، يكنى بهذا عن تفاقم الأمر واشتداده حتى إن الرأي فيه ليضل عن أهل الرأي والتجربة.
تجللته بالرأي حتى أريته ... به ملء عينيه مكان العواقب
كما انغل ذو الرمة بين الصحراء وأكسية الدجى، ارتفع ممدوح حبيب فوق غبار ظلمات الأمر ليكشف برأيه للأفشين وجه العمل الذي يتوصل به إلى عواقب النصر المبين.
ومما يدلك على أخذ حبيب من غيلان واتباعه له، خلوص صدى لفظ غيلان في أسلوب نظمه- الجناس المتتابع في الحروف- الكاف والسين- والجل الغيلاني الذي قد بقيت روح معناه ورنة لفظه في قول حبيب:«تجللته» وحبيب لمتأمل شعره كثير الأخذ من غيلان.
ومن تشبيهات الوصف في هذه القافية قوله:
نظرت كما جلي على رأس رهوةٍ ... من الطير أقنى ينفض الطل أزرق
قولنا من تشبيهات الوصف، نعني أن المشبه به فيه أقرب إلى أن يكون المعمود إليه بالنعت أكثر من المشبه- يعني نظرت كما جلي الصقر أي نظر من بعيد ومن مكان عال.
طراق الخوافي. واقعٌ فوق ريعةٍ ... ندى ليله في ريشه يترقرق