ذلك، ومما يرجح نسبة الأبيات إلى عبيد بن أيوب أنه يروى في خبره أنه فارق الناس وتوحش، قال:
فإني وتركي الإنس من بعد حبهم ... وصبري عمن كنت ما إن أزايله
لكا لصقر جلي بعد ما صاد فتية ... قديرًا ومشويًّا عبيطًا خرادله
أهابوا به فازداد بعدًا وصده ... عن القرب منهم ضوء برقٍ ووابله
أي حالي كحال هذا الصقر الذي كان محبًّا لصاحبه ثم فارقه فراق نفور لا رجعة معه. جلي أي رأى واجتلى قديرًا أي لحمًا مطبوخًا وآخر مشويًّا عبيطًا خرادله أي قطعة أخذت من ذبيحةٍ ذبحت على فتاء سن ونت غير علةٍ. صاد فتيةً أي صاد لفتيةٍ. ويذكر أهل الصقور أن الصقر ربما فعل ذلك جنوحًا منه إلى الحرية. أهابوا به أي دعوه يتألفونه باللحم القدير والمشوي ولج نافرًا يدعوه البرق والوابل والحرية.
وبعد هذه الأبيات، ذكر حال توحشه وزعم أنه صحب الجن في الفلوات ولا صديق له إلا القوس الصفراء والسيف:
ألم ترني صاحبت صفراء نبعةً ... لها زبديٌّ لم تفلل معابله
وطال احتضاني السيف حتى كأنما ... يلاط بكشحي جفنه وحمائله
أخو فلوات صاحب الجن وانتفى ... عن الإنس حتى قد تقضت وسائله
له نسب الإنسي يعرف نجره ... وللجن منه شكله وشمائله
الصراء النبعة هي القوس الصفرة لونها والنبع خشبها. لها زبدي أي وتر رنان، سهامه غبر مفللات المعابل أي النصول. يلاط أي يلصق بالبناء للمفعول أخو فلوات يصف بذلك نفسه وعندي أن أبا الطيب نظر إلى هذا المعنى حيث قال:
صحبت في الفلوات الوحش مغتربًا ... حتى تعجب مني القور والأكم