ترى كل مرزاب يضمن بهوها ... ثمانين ألفًا زايلتها المنازل
جفول ترى المسمار فيها كأنه ... إذا اهتز جذع من سميحة ذابل
تأمل يسر الجناس في قوله «وفي اليم يأتم» وكان جرير قرآني الأسلوب وهذا الضرب من التجنيس قرآني المعدن، كقوله تعالى:{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} وقوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. وعندي أن البحتري اتبع «يم يأتم» جرير في قوله «الذعاف فعافه» والأصل قرآني كما لا يخفى. وهذا من أحذق مسالك المحاكاة. وكان البحتري بذلك خبيرًا ذا دربة.
المرزاب السفينة الضخمة أو الطويلة، وذلك متقارب «وثمانين الفازايلتها المنازل» - هذه عدة المقاتلين في الأسطول كله ولعله أن يكون زاد فيها شيئًا على مذهب التهويل. والمسمار عني بها العمود القائم في السفينة يناط به الشراع وخشيته وأراد بتشبيهه بجذع النخلة الذابل طوله إذ لا يكون الجذع ذابلًا إلا ونخلته سحوق. وسميحة من آبار أهل المدينة وهي التي حكم عندها ثابت أبو سيدنا حسان أو جده عندما حكم في خصومات سميحة التي كانت بين الأوس والخزرج وقال حسان رضي الله عنه في ذلك:
إن جدي خطيب جابية الجو ... لأن عند النعمان حين يقوم
وأبي في سميحة القائل الفا ... صل حين التقت عليه الخصوم
ثم يقول جرير ولا يخفى أن نعته للسفن الذي مر إذ هي راسية يتأمل الناظر مسمارها القائم وهو يهتز، وعدد الأجناد البحريين وهم يجوزون إليها.
إذا اعترك الكلاء والماء لم تقد ... بأمراسها حتى تثوب القنابل
من ههنا جعل يصف حركة الأسطول. الكلاء بفتح الكاف وتشديد اللام