مما يجري مجرى ما سبق، مما استشهدنا به للدلالة على اعتماد المحدثين في الوصف على زخرفة المعاني والألفاظ. ومما يجري مجرى الزخرفة اللفظية والمعنوية نحو قول المعري:
وكأن الهلال يهوى الثريا ... فهما للوداع معتنقان
وسهيل كوجنة الحب في اللو ... ن وقلب المحب في الخفقان
يسرع اللمح في احمرار كما تسـ ... ـرع في اللمح مقلة الغضبان
ولحذق المعري يحلي نحو هذا بالأخبار والأساطير ليكون أقوى في الإمتاع وأدعى إلى الطرب، نحو قوله:
ضرجته دما سيوف الأعادي ... فبكت رحمةً له الشعريان
وقد سلك ابن الرومي مذهبًا من زخرفة اللفظ والمعنى بناه على التشبيه والاستعارة المأخوذ أصلهما من صفات بشرية (ومعدن هذا الأسلوب من أبي تمام وقد سبق إلماعنا إلى أخذ أبي تمام وأبي نواس ومن كان على مذهبهما أو تأثرا به من ذي الرمة) في الأبيات العينية التي لعله أراد أن يباري بها ميمية أبي عبادة في وصف الروضة والربيع- قال:
إذا رنقت شمس الأصيل ونفضت ... على الأفق الغربي ورسا مزعزعا
وودعت الدنيا لتقضي نحبها ... وشول باقي عمرها فتسعسعا
ولاحظت النوار وهي مريضة ... وقد وضعت خدًا إلى الأرض أضرعا
كما لاحظت عوادها عين مدنفٍ ... توجع من أوصابه ما توجعا
وهذا كما ترى إيغال صرفنا الشاعر به عن منظر الشمس الغاربة إلى منظر المريض المتوجع. والعنصر العقلي المزخرف الحريص على البراعة في ذلك قد غلب الشاعر، فغفل معه عن أن موصوفه هو جمال شفق الغروب وأنه أولى به أن يتوفر
على نقل إحساس خفقة القلب به، بدلًا من أن يتابع فكرة الصفرة وشبهها