بالمرض والمريض فليس في ذلك ما يوحي بحقيقة انفعال الشاعر لمشاهدة جمال شفق الغروب. ولكأني -والله أعلم- بابن الرومي قد غره قول النابغة:
نظرت إليك بحاحة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العود
وتشبيه النابغة ووصفه صحيح؛ لأن في الحالتين سقما هو أصل التشابه، سقم الحاجة الغرامية الجنسية (مثلًا) وسقم الضعف التواق إلى العطف والرحمة شتان ما بين مذهب النابغة حيث ذهب، ومذهب علي بن العباس.
وبين أغضاء الفراق عليهما ... كأنهما خلا صفاء تودعا
وقد ضربت في خضرة الأفق صفرة ... من الشمس فاخضر اخضرارًا مشعشعا
وظلت عيون الروض تخضل بالندى ... كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا
وميمية الروض التي أحسب هذه الأبيات العينية قد قيلت في مجاراتها هي:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا ... من البشر حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النيروز في غلس الدجى أوائل ورد ن بالأمس نوما
يفتقها برد الندى فكأنه ... يبث حديثًا كان قبل مكتما
ومن شجر رد الربيع لباسه ... عليه كما نشرت وشيًّا منمنما
أحل فأبدى للعيون جماله ... وكان قذى للعين إذ كان محرما
ورق نسيم الجو حتى كأنه ... يجيء بأنفاس الأحبة نعما
والأبيات مشهورة. ومزية البحتري على ابن الرومي أن الذي يصفه في شعره هذا هو الربيع، تعويل الشاعر على ذكر ورده ونداه ولباس خضرته الجديد ونسيمه أكبر من تعويله على ما يشبهه به من صفات البشر وصفات الوشي، إحساس البحتري بجماله وبهجته يصلنا من خلاله بيانه- ألا تراه حتى حين يزخرف بذكر الوشى المنمنم يدخل في ذلك الحركة، يقول كأنك أنت حين تنظر إلى