الخضرة الجديدة وألوان النوار كأنما تنشر وشيًّا منمنمًا -هذا نعت الانطباعة في مدى نظرك، فالزخرفة هنا ليست أمرًا لفظيًّا معنويًّا ذهنيًّا ولكنها ذات بيان بانفعال وإحساس وشعور- وقوله:
أحل فأبدى للعيون جماله ... وكان قذًى للعين إذ كان محرما
غالبٌ عليه قصد الزخرفة وكأنما صاغه حبيب، وخاصة قوله «وكان قذى للعين إذ كان محرمًا» فهذا فيه نفس حبيب، على أن حبيبًا لو قد رام هذا المعنى لجعل من إحرام شجر الشتاء جانبًا من حسن، ولكونه قذى للعين بإحرامه، أيضًا أن يكون لها بذلك إثمدًا وذرورًا.
أليس هو القائل في نعت خراب عمورية:
سماحة غنيت منا العيون بها ... عن كل حسن بدا أو منظر عجب
هذا وأحسب القارئ الكريم مما يكون قد تنبه لأخذ ابن الرومي من حبيب حيث يقول:
وقد ضربت في خضرة الأفق صفرة ... من الشمس فاخضر اخضرارًا مشعشعا
ولعمري إنه على كثرة عمله ودقة غوصه في هذا البيت قد قصر عن قول حبيب:
تريا نهارًا مشمسًا قد شابه ... زهر الربا فكأنما هو مقمر
وأحسب أن البحتري قد أخذ وشيه المنشر- أو قل أخذ «فكرة» وشيه المنشر، من قول حبيب يصف مطرة من مطر الشتاء المؤذن بالربيع أو شيئًا قريبًا من ذلك:
فكأنني بالروض قد أجلى لها ... عن حلة من وشيه أفواف
وهذا البيت من كلمة فائية حسنة- لأبي تمام، موغلة في الروح الحضري من غير ما مفارقةٍ لقصد الإصابة وصدق البيان الذي هو مذهب الأوائل- قال يعتذر