للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحد أصدقائه بأن المطر منعه من زيارته- والغالب على مطر العراق أن يكون في الخريف ولاشتا كما ذكر البحتري حيث قال:

لاحت تباشير الخريف وأعرضت ... قطع الغمام وشارفت أن تهطلا

ونعود إلى ما كنا فيه من حديث أبيات أبي تمام، قالك:

منع الزيارة والوصال سحائب ... شم الغوارب جأبة الأكتاف

هذا الوصف الغليظ يناسب هيئة السحابات الغليظات اللاتي منعنه الزيارة:

ظلمت بني الحاج الملح وأنصفت ... عرض البسيطة أيما إنصاف

والحاج الملح في المدن والمطر فيهن عناء أما أهل البادية فيه فرحون.

وأتت بمنفعة البلاد وضرها ... أهل المنازل ألسن الوصاف

وعلمت ما يلقى المزور إذا همت ... من ممطر ذفرٍ وطين خفاف

وعني بالممطر ما نسميه الآن معطف المطر وكان من الصوف فكان ابتلاله يجعله ذفر الرائحة، وكانوا يلبسون الأخفاف فيلصق بها الطين من المطر، وكل ذلك مما يتأذى به المزور، فجعل أبو تمام هذا مما يصح الاعتذار به في ترك الزيارة بل قد أوجب تركها في مثل تلك الحال:

فجفوتكم وعلمت في أمثالها ... أن الوصول هو القطوع الحافي

للذي يسببه من الأذى لرب الدار ثم أخذ أبو تمام بسبيل استرسال خيالي يذكرنا فيه بما كان من مذهب أهل البداوة من الفرح بالمطر وانتهاز فرصة مقدمه للنجعة والظعن وما ينشأ عن ذلك من لقاءات الغرام وضروب نواه- قال:

فكأنني بالروض قد أجلى لها ... عن حلةٍ من وشيه أفواف

وكأنني بالظاعنين وطية ... يبكي لها الآلاف للآلاف

وكأنني بالشدقمية وسطه ... خضر اللهى والوظف والأخفاف

<<  <  ج: ص:  >  >>