للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطية بكسر الطاء النية، عني نية السفر والآلاف جمع ألف كفاعل والجمع فعال بضم فتشديد وإن قلت الآلاف بوزن الأفعال فهي جمع ألف بكسر فسكون تقول إلف وإلفة وآلف وآلفة- وقد أعطانا أبو تمام صورة منظر من البادية والإبل ترتع خضرًا لهواتها وسوقها_ الوظف بضم الواو وسكون الظاء هنا ولك ضمها في غير هذا الموضع لئلا يختل الوزن جمع الوظيف وهو موضع القيد من الساق- وجانب الوصف الدقيق الصائب من هذه الأبيات لا يخفى.

والبيت الرائي الذي زعمنا أن ابن الرومي أخذ منه شعشعة اخضراره بصفرة الشمس يرجو أن يربي على إبداعه بما يصاحب الشعشعة من تداعي المعاني المؤنس بنشوة الخمر، من قصيدة فذة في بابها، جمعت إلى زخرفة ضروب المجاز والطباق والجناس واللعب اللفظي والمعنوي جودة تصوير الإحساس، ونقل الشعور بالجمال الذي انفعل به قلب الشاعر وفنه لنشاركه فيه ونستمتع بحسن بيانه عنه، قال رحمه الله:

رقت حواشي الدهر فهي تمرمر ... وغدا الثرى في حليه يتكسر

نزلت مقدمة المصيف حميدةً ... ويد الشتاء جديدة لا تنكر

لولا الذي غرس الشتاء بكفه ... قاسي المصيف هشائما لا تثمر

كم ليله: آسى البلاد بنفسه ... فيها ويومٍ وبله مثعنجر

هذه الموازنة الجدلية بين الشتاء والمصيف أيهما أفضل لم تصرف انهماكة أبي تمام في جانبها المنطقي الذهني عن لزوم جادة الوصف والإبانة عن الإحساس بالطبيعة وأثرها المباشر على النفس. ولا ريب أن ابن الرومي رام أسلوب هذه الطريقة ولكنه كما ذكرنا انصرف مع الجدل عن الوصف ونقل إحساس القلوب.

مطرٌ يذوب الصحو منه وبعده ... صحوٌ يكاد من الغضارة يقطر

غيثان فالأنواء غيث ظاهرٌ ... لك وجهه والصحو غيث مضمر

<<  <  ج: ص:  >  >>