تأمل الزخرفة واللعب المعنوي ههنا، وقد استعار الظاهر والمضمر من ألفاظ النحو كما لا يخفى.
وندًى إذا ادهنت به لم الثرى ... خلت السحاب أتاه وهو معذر
معذر أي جاعل له عذارًا. وكانت القيان الحسان مما يعقربن خصلات الصدغ وكانوا يسمون ذلك عقارب الأصداغ. وقد افتن أبو تمام، فجعل الربوات عليهن الخضرة بمنزلة لمم الشعور التي على الرؤوس، والندى عليهن لامع كالدهن. وهيدب السحاب الداني إلى الأرض من جوانب الربوات كأنه خصلات الأصداغ. كل هذا زخرفة استعارات ومجاز قوامه التجسيد وهو لأبي تمام طريقة (اتبع فيها غيلان كما ذكرنا من قبل). هذا و «معذر» أيضًا بضم الميم وتشديد الذال المعجمة مكسورة يحتمل معنى معتذر من قول العرب عذر بتشديد الذال وفتح العين قبلها أو كسرها بمعنى اعتذر وقد قرئ بهذه الصيغة (فعل بفتح الفاء وتشديد العين أو كسر الفاء وتشديد العين في الماضي وبفتح حرف المضارعة وكسر فاء الكلمة وعينها بمعنى (افتعل يفتعل) في سورتي يس ويونس في الحرفين -يخصمون- يهدى. وعليه يكون مراد الشاعر أن السحاب يعتذر من أنه لم يمطر وإنما أمد النبات بالندى وحده. ومثل هذا الاستعمال «أي معذر» بمعنى العذار وبمعنى الاعتذار مما يسميه البلاغيون بالاستخدام.
أربيعنا في تسع عشرة حجة ... حقًّل لهنك للربيع الأزهر
هنا يؤرخ أبو تمام هذا الربيع الذي أعجبه ولا يعيبه التوكيد في عجز البيت إذ هو لا يتهيب استعمال العويص من مذاهب العربية إذا دعا إليه أرب البيان. وأرب البيان هنا يدعو إلى تأكيد مقال الشاعر أن هذا الربيع الأزهر. فأكد مقاله بمجيء اللام قبل جملة مبدوءة بإن المؤكدة وإنما تقبل اللام إذ جيء بها على لغة من يجعل همزتها هاء خالصة، ففعل ذلك، ثم أكد الربيع بلام إن التي تسمى في النحو