للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل الشاعر رأى عذراء أو عذارى في ذلك المنظر فجعلهن مع نواره نوارًا.

حتى غدت وهداتها ونجادها ... فئتين في حلل الربيع تبختر

مصفرة محمرة فكأنها ... عصب تيمن في الوغي وتمضر

ههنا صناعة وزخرف وتمهيد للخروج من الوصف إلى مدح المعتصم وكان صاحب حرب وجند وزينة الجند وألوان عصبهم مما يقع التشبيه به الموقع الحسن في مثل مقام مدحه- ومع هذا فأبو تمام ممسك بملازمة وصفه ومتابعة البيان عن إحساسه بهذا المنظر الفذ الرائع.

من فاقع غض النبات كأنه ... درر تشقق قبل ثم تزعفر

وهذه درر خيالية ليست من جواهر واقع الحياة الجوامد ذوات الأثمان.

أو ساطع في حمرة فكأنما ... يدنو إليه من الهواء معصفر

فهذا يؤكد ما تقدم من جنوح حبيب إلى سبحات الخيال، وبعده عن الفتنة بزخرفة جمود الجواهر.

صبغ الذي لولا بدائع لطفه ... ما عاد أصفر بعد إذ هو أخضر

وهذا مقطع الوصف. وبه رفع أبو تمام وشى الربيع عن كل ضروب الوشى التي يفتن في صنعها البشر. ومن مأثور كلام نبي الله عيسى عليه السلام أن نتأمل أزهار الرياض فإنها لا تسعى ولا تغزل ولم يكن سليمان في أبهى حلل مجده بأزهى وشيًّا منها. وما استبعد أن يكون أبو تمام قد أخذ منه إذا كان واسع التحصيل. وقد حسد على تحصيله وتبريزه وإبداعه فزعم بعضهم أنه نبطي الأصل يطعنون في نسبه وأن أباه نصراني يدعى تدوس فغيره إلى أوس، وهذا باطل قطع صاحب الأغاني ببطلانه، وما كان بمن يتهيب المطاعن. وقد كان في طيء قوم نصارى، فلو لم يكن من نسب أبا تمام إلى أصول نصرانية قاصدًا إلى الكيد والطعن، ما كان محتاجًا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>