المسجد يوم الجمعة أن كلف رجلًا حتى أحضره دواةً وقرطاسًا حتى كتبها له وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعرًا أبدًا، ولولا أن أدخل في الحكم بعض الفتك لزعمت أن ابنه لا يقول شعرًا أبدًا، وهما قوله:
لا تحسبن الموت موت البلى ... فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موتٌ ولكن ذا ... أفظع من ذاك لذل السؤال
وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى والمعاني مطروحة في الطريق إلى آخر ما قاله وأحسبه في الحيوان.
إن يك ما نقول به من أخذ «أندروا مارفيل» و «وليم بلايك» وغيرهما من أبي الطيب صحيحًا وهو إن شاء الله كذلك، فإن الذي اعتمده نيكلسون وقال به من آراء راسيك ودي ساسي وسواهما باطل، منشأ بعضه من الجهل بمعادن أشعار العربية وصحة التذوق لها، وهو أمرٌ اتهم به الجاحظ عددًا من علماء عصره هو أهل الرواية المتمكنين من لغة العرب، فكيف بعلماء المستشرقين وأكثرهم لم يكونوا من جهابذة أهل النقد والذوق في ميادين أشعار لغات أقوامهم وأدبها. هذا ومنشأ بعضه بل أكثره من التحامل والتعصب الديني ودعوى التفوق العنصري. وقول نيكلسون، إنهم -أي النقاد الأوروبيين- يتقززون من محاسن أبي الطيب بله مساوئه، ينضج كما ترى بالسماجة العنصرية أو التعصبية السنخ أو هما معًا. وقد قرن عندهم بين الجاهلين وأبي العتاهية في مجال الموازنة بين المتنبي وغيره من الشعراء. وأبو العتاهية من الجاهليين بعيد كل البعد. لكنه كان ينسب إلى انحراف عن الإسلام. فعل هذا بعض ما قربه من قلوب أهل التعصب. كما يكون قد باعد المتنبي جهارة صوته بمدح الجهاد، وإنحائه على النصارى في غير ما موضع نحو:
وخلي العذارى والبطاريق في الدجى ... وشعث النصارى والقرابين والصلبا