رشد والفلاسفة وحدهم؟ فكيف نفسر إذن إقدام الاستشراق في القرن السابع عشر بعد وفاة مارفيل بحين غير جد طويل على ترجمة الحماسة ونشر المقامات وهلم جرا؟ هل يعقل أن هذا الإنتاج الكبير كأنما هو انفجار فكري لم تسبقه إرهاصات ترهص به على زمان مارفيل، وخاصة أن تذكرنا أن القرن الخامس عشر والرابع عشر قبله والثالث عشر كل أولئك كان الأخذ فيهن عن العربية طريقًا مطروقًا وبه قامت الحركة المسماة بالنهضة؟ -ثم إن هذا باب واسع فلا ينبغي أن نطيل فيه- ونعوذ بالله من مثل قضية المتنبي حيث قال وضمنه معنى من معاني الاستعاذة:
أرى الأجداد يغلبها كثيرًا ... على الأولاد أخلاق اللئام
ولست بقانع من كل مجدٍ ... بأن أعزى إلى جد همام
عجبت لمن له حد وقد ... وينبو نبوة القضم الكهام
على أنه، حتى بعد هذا كله، قد يأبى القائل إلا أن هذا كله اتفاق خواطر، ووقوع حافر على حافر، إذ مذاهب الفلاسفة ميراث للبشر مشترك. وقد ادعى الحاتمي في القرن الرابع أن أبا الطيب قد أخذ حكمته من أرسطوطاليس وافتتن الدكتور زكي مبارك رحمه الله على حذقه بمقالة الحاتمي، وليس مع ذلك ما قاله الحاتمي بكبير شيء. وأغرب أحد المعاصرين فزعم أن أبا العلاء أخذ غفرانه من ضفادع أرسطفان الكوميدي اليوناني، وذلك لأن أرسطوفان جاء في ضفادعه بشاعر قد هلك فأقاله شعرًا وتناوله بالنقد. وطريقة أرسطوفان من طريقة أبي العلاء -في هذا الذي نقلوه من نظمه بلغات العصر وذكره نقاده وشراحه- بعيدة جدًّا. وقد كان المجيء بشاعر حديث عهد الوفاة في الكوميديا مذهبًا ليحاكي الكوميدي أساليبه بغرض السخرية من أشياء معاصرة، لا بغرض نقده أو محض الإمتاع الأدبي بالرجعة إلى الأدب القديم والنظر فيه.
مع هذا، مع تقدير التسليم جدلًا بأن بين مذهب أرسطوفان ومذهب أبي