العلاء تشابهًا، فأبو العلاء إنما أخذ من مصادره الأصلية. ولم يكن أول من أخذ منها على سبيل الافتتان في التخيل. ولو نظر صاحب هذه المقالة في كتاب الموشح للمرزباني وهو من متداولات «الأطاريح (١)» لوجد فيه أن أحد أعراب زمان جيل نحاة الكتاب قد عاده جماعة ممن يأخذون الشواهد عنه في مرض ألم به، فسخر منهم في سياق خبر زعم به أنه اطلع على أهل النار فوجد أكثر النحاة هناك. ولا ريب أنه أخذ من آيات الصافات: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} الآيات. وفي سورة الأعراف قصة نداء أصحاب الجنة أصحاب النار ثم خبر أصحاب الأعراف وحديثهم ثم نداء أصحاب النار أصحاب الجنة -ومشاهد الجنة والنار في القرآن عدد. وفي حديث المعراج قصص ومشاهد مفصلة وقد نبه بعض جهابذة نقاد أوروبا على أن دانتي أخذ منها، فأن يأخذ أدباء المسلمون من معينها أولى والأخذ منها بين أدباء المسلمين كثير متواتر منذ زمان الوعاظ والقصاص. ورسالة التوهم للحارث بن أسد المحاسبي من رجال القرن الثالث نص ثابت في هذا المعنى. وأخبار الجن مما روى الإخباريون والشعراء غير بعيدة في وادي التخيل من تصور مشاهد الآخرة؛ لأنها ذات عنصر غيبي. وقد أخذ المعري منها كما أخذ ابن شهيد الأندلسي وقصص الجن في كلتا رسالتيها مذكور وأمر التشابه بين ابن شهيد وأبي العلاء مقطوع به من حيث أن كليهما بني قصته على التوهم والخيال. وقد طال هذا الاستطراد فنعود إلى ما كنا فيه، وبالله التوفيق.
أول ما لفت نظري من أمر الشبه بين كلام مارفيل ونونية أبي الطيب «مغاني الشعب طيبًا في المغاني» - قول هذا ما ترجمته فيما قدمنا:
عناقيد العنب اللذيذ
(١) () أي الطلبة الذين يكتبون الرسائل المدرسية يتداولونه. أطاريح جمع أطروحة وهي كلمة هجينة. وأصل ذلك أن يك من المطارحة فشتان ما بين رسائل المدارس الجادة ومطارحات الكلام.