هذا من ذروات أبي الطيب التي لا تنال. ولعمري لئن تقزز منها نيكلسون وآخرون منها مثله، فتلك لهم خسارة لا ربح. وليس منهم أندرو مارفيل، إن يك صحيحًا -وهو إن شاء الله صحيح- ما نقول به من أتباعه أبا الطيب ومحاكاته.
بدأ أبو الطيب فيما بدأ به بقوله:
ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
وهي وثبة مذهلة بعد قوله:
مغاني الشعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان
أشعرتنا بوحدة وعزلة وأسى عميق -هذا الأسى العميق الذي صحب انطباعة منظر الشعب الرائع في نفسه يقلقنا شيئًا ونحن نتابع وصفه. ونصحبه وهو يتحلل من عزوف نفس العربي وشعوره بالغربة وانقباضه:
غريب الوجه واليد واللسان
إلى أنس لذيذ وارتياح إلى عزلته إلى المكان- كنى عن نفسه بالفرسان وبالخيل كما قدمنا، خاف على الفرسان أن يشغلهم دعاء المكان وازدهاؤه لهم عن واجب القيام بتنبه الفارس، وعلى الخيل مع كرمها وعتقها وطاعتها أن تحرن وفارسها غافل عنها فيسقط.
مع التحلل لا زالت في العزوف بقية قوله: خشيت إلخ مشعر بها.
ثم غدت الأغصان تنفض طلها عليه. وها هو ذا في ضيافتها ترد الشمس عنه وتجيئه من الضوء بما يكفيه. وها هو ذا يميل إلى إغرائها إذ هذه دنانيرها تنتثر