على ثيابه وهو يمد إليها وهي تفر منه. ثم هذه الثمار ترقرق أضواء عصيرها من أغشينها الشفافة، فمن شدة إغرائها كأن أشربتها واقفة بلا أوان. كأن قد انعصرت برحيقها في فمه. وهذه الأمواه ذات صليل وحصى لماع كلمع الذهب في معاصم القيان يجاوبن الحمام الصداح.
وفجأة انحلت عقدة انقباضة الشاعر الغريب- حلتها نغمة الطاء وصليل الماء وصليل الحلي في أيدي الغواني وسائر سحر الشعب الأخاذ من أغصان وقطرات وضوء متنوع وحصى وماء.
تجاوز عقل أبي الطيب جميع ما حوله بخياله الوثاب إلى غوطة دمشق ومناظر الشام والحصى الذي نعته إذ قال:
وليل توسدنا الثوية تحته ... كأن ثراها عنبر في المرافق
بلاد إذا زار الحسان بغيرها ... حصى تربها ثقبنه للمخانق
يروع حصاة حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
أحسب العقاد رحمه الله عاب هذا البيت أن فيه صناعة وتكلفًا، والبيت فيه دقة إحساس وظرف وأخذ حسن وإشارة إلى أبي الطيب.
وهذا التجاوز إلى الديار الحبيبة والأحبة الذين بها من «شادن وضيغم» هو الذي أزال عنه الغربة وأشعره باتحاد تام مع الشعب وأنه به في وطن وفي جنة، أول شيء طرب إلى غناء الحمام وليس هو معهن بغريب. قبله هيجن قلوب الشعراء إلى