بلادهم بالحنين. ثم غناء الفارسيات أطربه وإن كان عنده غير مبين. ما زالت غربة العربي معه. ولكنه طرب إليهن وهجن قلبه كالحمام.
وقد يتشابه الوصفان جدًّا ... وموصوفاهما متباعدان
ثم ها هو ذا يثب إلى ذكرى دمشق.
وينصرف من الشعب وهو في الشعب بما أثاره في نفسه إلى «لبيق الثرد إلخ» وإلى النار التي ترفع بالندواليلنجوج للأضياف. النار التي ترفع للأضياف نار كرم العرب. والنار التي توقد باليلنجوج نار غزل العرب وعشقهم.
لقد أسره الشعب بعد أن كان طباه؛ لأن عقله- ذلك البحر، تجاوزه، وخلق من كل نوع يشبه فيه دنياوات أبعد وبحارًا أبعد.
فكرة تجاوز العقل للأشباه والنظائر التي في بحره، وهي عند مارفيل، قوية الشبه بما عند المتنبي ههنا.
وقد أكد المتنبي أسر الشعب له واحتواءه على نفسه بقوله:
تحل به على قلب شجاع ... وترحل منه عن قلب جبان
وقد أكد تجاوزه له بعقله مرتين- مرة بقوله:«ولو كانت دمشق إلخ» وتوهمه أنه هناك مع الثرد والجفان واليلنجوج. وأخرى بخياله الذي اصطحب هذا الشعب المسحور بما قد امتزج معه من صور الشام إلى النونبذجان.
فكرة تجاوز العقل لما حوله من طريق الأوصاف المتشابهة المختلفة الموصوفات إلى دنياوات أبعد -دمشق مثلًا والنوبنذجان، خاطر متفق عند الشاعرين ولم يذكر المتنبي البحار، ولكن مارفيل ذكرها لأنه افتن بإدخال المعنى الفلسفي الذي يزعم أن البحر فيه كل أنواع البر. فالبحار التي عند مارفيل فرع