الطيب وقد كان بشعره عالمًا وله متذوقًا. ولكأن الوحشي بإحدى الأمالس إن هو إلا أبو الطيب. وقد وصف المعري نفسه بأنه أنسي المولد وحشي الغريزة. ولئن صدق هذا الوصف عليه لهو على أبي الطيب أصدق. وإن يك مارفيل قد نظر في شعر أبي الطيب ولقد نظر، فما أحسبه عزب عنه قول أبي العلاء هذا فيكون منه قد أخذ أيضًا. وقد سبق منا تقديم هذا القول.
القسم الثاني من كلام مارفيل في مدح الوحدة والهدوء والعزلة. وكونه فرعًا من المعنى الأول لا يخفى- وقول أبي الطيب «طبت فرساننا إلخ» مضمن في خلاصته في قول مارفيل: To this delicious solitude ويوقف عند كلمة delicious المنبئة باللذة والمتعة وهي التي دل على مثلها أبو الطيب بقوله: «طبت» وطبا يطبو ويطبي أي دعا بإغراء. وإنما هي وحدة لذيذة لما يخالطها من دعوة النبات ولقائه.
القسم الثالث الذي فيه ذكر العشق فيه نفس من التهكم بالعشاق شبيه بقول أبي الطيب:
مما أضر بأهل العشق أنهم ... هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعًا وأنفسهم ... في إثر كل قبيح وجهه حسن
فإن يكن مارفيل لم يطلع قط على شيء من كلام أبي الطيب مترجمًا أو غير مترجم فهذا من باب توافق الخواطر ووقع الحافر العجيب حقًّا؛ لأن ههنا مع التهكم بأهل العشق -وهو أمر توافق الخواطر فيه سبيل سابلة- الزعم بأن المعشوق الحسن الوجه هو في حقيقة باطن أمره قبيح. وقد ذهب مارفيل إلى نحو من هذا المعنى حيث زعم أن الشجرات التي تنحت عليها الأسماء هي حقًّا أجمل من ذوات الأسماء -كأنه يقول هن شيء بالنسبة إليهن قبيح وإن ظنه العاشق حسنًا.