للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجميلة لنالت الأمان ولم تخف من لصوص القلوب وهن عيون الحسناوات. ههنا تهكم بأهل العشق واستهانة بجمال النساء. فهذا المعنى لا يعسر على الحاذق الالتواء به لتوليد معنى مواز له مجار لمذهبه. لو عمل العشاق الحقيقة لم ينحتوا اسم محبوبة على لحاء شجرة؛ لأن قلوبهم ستستحوذ على مودتها الشجرة لأنها أجمل من كل محبوبة، كما أرض أبي الطيب هنا، لحسنها واستيلاء الأمن عليها، تستحوذ بهواها على القلوب فلا تقدر عيون الحسان على اختطافها بفتنة وإغواء غرام -هذا مجرد تقريب للطريقة التي يمكن بها توليد المعنى الذي جاء به مارفيل من المعنى الذي عند أبي الطيب. فحين ينضاف إلى ذلك البيتان المتقدما الذكر يسهل أمر التوليد والأخذ جدًّا لصيرورة الحسن فيهما قبحًا لوصف العشاق بالجهل والغباء فوصف قلوبهم بالقساوة من ذلك قريب، ولا سيما حين نذكر أن مارفيل شبهها في قساوتها بلهيب الغرام وقد جعله أبو الطيب هو أصل جهل العشاق وعدم فطنتهم، فتأمل.

ويوقف شيئًا عند التمهيد الذي مهد به أندرو مارفيل لاطرائه حسن النبات وهو قوله -كما ترجمناه على وجه التقريب:

أنه لم ير يومًا لون أبيض او أحمر

يرمز إلى العشق كهذا اللون الأخضر

واللون الأبيض والأحمر من أوصاف الجمال ومعانٍ تتصل به عند كثير من الأمم، وقالت العرب الحسن أحمر وسمت النساء البيض وقالوا لم يعنوا بذلك لون البشرة ولكن طيب الحسن ونقاءه، ومن أين جاء مارفيل بالخضرة فجعلها أولى بأن تكون للجمال رمزًا؟ وقد تعلم أن الخضرة من نعوت جنة الخلد وثياب المنعمين فيها -قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} وقال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} -فههنا البياض والحمرة والخضرة جميعًا من أوصاف نعمة الجنة- بياض

<<  <  ج: ص:  >  >>