أليس ههنا توافق عجيب في أسلوب الأداء؟ مثل هذا هو الذي يجعلنا نجزم جزمًا بالأخذ وليس علينا أن نقدم الأصل أو الترجمة أو الاقتباس الذي اعتمد عليه مارفيل، فذلك على غيرنا وهم قادرون عليه إن شاء الله، ومن حجر في باب النقد الأدبي أن يعتمد الناقد على الملابسات فيبني على النتائج فقد حجر الواسع.
على أن لقائل أن يقول أن هذا القسم الثامن ليس هو بآخر منظومة مارفيل فإن بعده وصف المزولة وبستانيها الحاذق. ومن تأمل وجد أن هذا القسم التاسع كأنه استدراك من مارفيل لشيء حسب أنه فاته، وأن مكانه أن يقع بعد القسم السابع فيكون هو السادس أو بعد السادس فيكون هو السابع. على أن مارفيل لو كان فعل شيئًا من هذا لكان قد انفصم ترابط ما بين القسم الخامس والقسم السادس الذي ينصرف فيه عقله إلى التأمل أو ما بين القسم السابع والثامن الوثيق الرباط بنعت حال الجنة قبل «أن يدرك الشرف الهبط» على حد تعبير أبي العلاء -وليس في القسم التاسع كبير زيادة إلا ذكر حذق البستاني، واعتدال مزاج الشمس هو عين الفكرة الخضراء والظل الأخضر وتفسير له ونعت النحلة الذي إنما هو امتداد لتمشيط الطائر لجناحيه- إنه امتداد من بنية المنظومة إلى معان منها لاحقة ملحقة بها -وقد احتال مارفيل على هذا الاستدراك بزعمه أن المزولة جديدة، فصرفه ذلك إلى ذكر البستاني الحاذق الذي قد فرض نفسه عليه مع أنه في وحدته اللذيذة.
هل تأثر مارفيل بامتداد نفس أبي الطيب بعد وصفه للشعب إلى مدحه عضد الدولة، واستدراكه في هذا الوصف جوانب مما لم يفصله في الأبيات التي نهايتها حديث الحصان، مثل أبيات الحيقطان -ومثل رده على الحصان حيث قال:
فقلت إذا رأيت أبا شجاع ... سلوت عن العباد وذا المكان
له علمت نفسي القول فيهم ... كتعليم الطراد بلا سنان