فانصرف عن الشعب إلى عضد الدولة كما انصرف بعد مارفيل من وحدته اللذيذة إلى صحبة البستاني الفظة، وقد وصف نفسه بالحذق في بيته «له علمت نفسي القول فيهم» أم هل يا ترى عني مارفيل في أعماق نفسه بالبستاني أبا الطيب الذي منه أخذ بانصراف عقله المتأمل إليه إذ هو ينظر ويعثر ومن نبيذ العنب يعصر -وهذه صحبة من معدن وحدته ليست فيها فظاظة، وهو أيضًا بستانيٌ حاذق بهذه الصناعة البيانية الرشيقة يحاكي بها من حيث لا يعلم ذلك أخد بستانيي بيان العرب المبدع، فيكون أيضًا هو مبدعًا.
وحسبنا هذا القدر فقد طال فيه الحديث وإنما فصلناه ليتتبعه من عسى أن يرتاب في القول إن أجملناه، وقد صنعنا ذلك في كلمتنا عن الطبيعة عند المتنبي. وقد أشرنا فيها إلى أخذ مارفيل من:
ما لنا كلنا جو يا رسول ... أنا أهوي وقلبك المتبول
في منظومته التي عنوانها To His Coy Mistress «أي إلى سيدته الخجول والمعنا إلى أخذه من مدح المتنبي لسيف الدولة ومدح أبي تمام للمعتصم في المنظومة التي مدح بها أوليفر كرومويل، فليرجع إليه في موضعه إن شاء الله (١).
ومن أوصاف أبي الطيب الرائعة أسديته وقد ذكرناها في معرض الحديث عن الطويل ووازنا بينها وبين بائية البحتري. وهذه أفضل عندنا في المدح لكن لامية أبي الطيب أجود بلا شك في الوصف، وقد قارب أن يهجو فيها ممدوحه إذ لا ريب أنه فضل الأسد عليه وكأن قوله:
(١) () نشر مقا لعن السيدة الخجول في عدد التكريم للأستاذ الأديب العلامة محمود محمد شاكر بمناسبة بلوغه السبعين بعنوان إلى ليلاه الخجول- (القاهرة ١٤٠٣ هـ ص ٣٧٣ - ٣٨٦).