عندي أن فكرة ابتسام هذا الصانع الذي افترضه بليك ما هي إلا توليد من قول أبي الطيب:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المصقولا
ذلك بأن بليك جعل فارس أبي الطيب وفرسه اللذين نازلا الأسد في مكانهما هذا الصانع الجبار الذي توهمه هو. فلابد له أن يبتسم ابتسامة انتصار عندما ينجز عملًا مفرط القوة مفرط الشراسة لاهوتيًّا مثله هو وكأنه فوق استطاعة أيما صانع مهما يؤت من مهارة ولاهوتية أن يصنعه.
وفي قولة أبي الطيب «أمعفر الليث الهزبر» نوع ابتسامة.
على أنه فيها أيضًا نوع سخرية.
ذلك بأن الأسد يصاد بأن يصطف عدد من الرجال الأشداء بأيديهم الرماح. وهذا من أمر صيد الأسد موصوف وصفًا جيدًا دقيقًا في شعر أبي زبيد الطائي، وإلى وقت قريب كان الأسد يصيده فتيان البقارة عندنا بنحو قريب الهيئة من هذا. يقف ستة عشر شابًا معًا وبأيديهم الحراب. ومعهم رجل مسن بصير مجرب يثبتهم ويأمرهم بالاستعداد وبرفع الحراب حين يحين أوان ذلك. قالوا وإذا هجم الأسد فإنه يعمد إلى أضعفهم فيجندله وينحو به إلى جانب فيأكل من بطنه على مقربة من أصحابه -يحدث هذا عندما يخالطهم فزع من الأسد وضعف. وفي الأسد بالناس في هذه الحالة ازدراء أيما ازدراء، وتهاون أيما تهاون، وهذا الذي وصفه أبو زبيد وزعم أن صاحبهم الذي أكله الأسد كان فداء للآخرين «وكان بموته فديت نفوس». وإن كانوا رابطي الجأش، وهذا على شأنهم أغلب، فإنهم يتلقونه بحرابهم، فتقتله قوة وثبته إذ يظل على الحراب حتى يغلبه نزف الدم، فتخور قواه. وهذا ما وصفه أبو الطيب. وكأن أسد أبي الطيب تقصد بدرًا ولكن تلقته الحراب