الهجاء يذكرون المرء بسبيليه وأرجاسه، كأنهم بهذا يردونه إلى حالٍ من الضعة يصغر معها شأن زهوه وطغيانه وغروره. وقد تعلم هجاء لبيد الربيع بن زياد حيث قال:
مهلًا أبيت اللعن لا تأكل كل معه
إن استه من برص ملمعة
وإنه يدخل فيها إصبعه
يدخله حتى يواري أشجعه
كأنما يطلب شيئًا أودعه
وكان لبيد إذ قال هذا غلامًا حدثا. فكأن الذين راموا الكيد للربيع عند النعمان قد تعمدوا تعمدًا أن يكون ناطقهم بالهجاء عند الملك هذا الغلام، حتى إذا لم يرض الملك كلامه، اعتذروا له عنده بحداثته، وإن رضيه فقد أدركوا مرادهم من الغض من شأن الربيع.
وقول الفرزدق «عتيد بهم إلخ» أي اذكر عتيد بهم، يعرض بأن أباه عبد وأمه راعية، قالوا وكان ثقيف عبدًا لإياد. وقالوا هم من بقايا ثمود.
وكان في الهجاء جانب هزل وربما أحفظ. وقد قتلت فزارة سالم بن دارة لفحشه فيه إذ هجاهم. وقد غلا الفرزدق وجرير في ذكر الفواحش أيما غلو، وروح الهزل الضاحك أغلب على مذهب الفرزدق. كقوله وقد سمع قول جرير:
أقول له يا عبد قيسٍ صبابة ... بأي ترى مستوقد النار أوقدا
قال:
أعد نظرا يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا
وبعض إقذاع جرير يغيظ كقوله:
أتذكر صوت جعثن إذ تنادي ... ومنشدك القلائد والخمارا