للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومراد ابن قتيبة واضح وذلك أن بناء القصيدة كلها على الهجاء ليس بهدم ولكنه إنشاء وعمل فني. وأحسب أن أكثر ذلك إنما يتفق في القطع اللاذعة كهجائيات الفرزدق. وفي المطولات كالنقائض. على أنه في النقائض مما يذكر الشعراء الفضائل لتقع في موازنة الرذائل وتنبه عليها.

ومما جاء في الفخر من التنبيه على الرذائل مع التعريض قول طرفة في المعلقة:

ولو كنت وغلا في الرجال لضرني ... عداوة ذي الأصحاب والمتوحد

ولكن نفى عني الرجال جراءتي ... عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي

لعمرك ما يومي علي بغمةٍ ... نهاري ولا ليلي علي بسرمد

إذا مت فأبكيني بما أنا أهله ... وشقي على الجيب يابنة معبد

ولا تجعليني كامرئ ليس همه ... كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي

بطيء عن الجلي سريع إلى الخنى ... ذلولٍ بأجماع الرجال ملهد

فهذه الصفات القبيحة كأن فيها تعريضًا بأناس بأعيانهم. ولكأن أبيات لامية العرب التي يقول فيها «ولا جبإٍ أكهى» تنظر إلى كلام طرفة هذا، فمن زعم أنها منتحلة فهذا وجه من الوجوه التي يحمل عليها قوله.

وقال الفرزدق:

إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطول

بيتًا زرارة محتبٍ بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

لا يحتبي بفناء بيتك مثلهم ... يومًا إذا عد الفعال الأفضل

إنا لنضرب رأس كل قبيلةٍ ... وأبوك خلف أتانه يتقمل

فوازن بين مجد آبائه وحقارة أبي جريرٍ كما زعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>