أمسى الفرزدق يا نوار كأنه ... قرد يحث على الزناء قرودا
ما كان يشهد في المجامع مشهدًا ... فيه صلاة ذوي التقى مشهودا
إنا لنذكر ما يقال ضحى غد ... عند الحفاظ ونقتل الصنديدا
وهذا باب واسع.
هذا وقد مر بك قولنا:«إن العرب كانوا يؤثرون للشاعر أن يتبدى لأن ذلك أدنى إلى القول الصارح والصدق المتوهم في سذاجة البداوة مع الفصاحة والبيان» وأردنا بسذاجة البداوة ما ذهب إليه ابن خلدون في المقدمة من معنى ارتباط الخير بفطرة البداوة لا أن البدوي العربي نفسه قد كان امرأً ساذجًا. وحاجة المجتمع -أي مجتمع وكل مجتمع- إلى الصراحة التي تدل على الفضائل وتنهي عن الرذائل أمر بين.
هذا التبدي لم تكن العرب تتكلفه ولكن تعمد إليه عمدًا مدفوعة بسجية معدنها المركب المزدوج التحامي البداوة والحضارة فيه، كما قال أبو حيان، إن العرب كانوا في باديتهم حاضرين. كانت جزيرة العرب هي الطريق الأعظم لتجارة التوابل والعطر وغير ذلك في الدنيا القديمة. كانت كل بئر حاضرة ومتى كثرن كانت قرية -أو قل واحة كما يقال الآن. ومعرفة العرب بحفر الآبار وطيها في رمالهم المقفرات يدل على تمكن من جانب من المهارة والمعرفة الهندسية السنخ. كانت الآبار والقرى في طريق القوافل من بين شمال الجزيرة وجنوبها ومن بين مشرقها إلى مغربها ومواضع شتى فيما بين ذلك. وكانت التجارة برية بحرية تنتقل من فرضات البحر إلى قرى الأسواق وحواضر الطريق البري. قال تعالى [سور يونس]: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية. وقال تعالى [سورة سبأ]: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} وقال