تعالى [النحل]: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. وقال تعالى [قريش]: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}.
ولا ريب أن دول العالم القديم الكبريات كانت تتبارى وتتنافس على احتكار هذا الطريق الأعظم والتحكم فيه. وقد حاولت بابل غزو حواضر جزيرة العرب والسيطرة عليها فلم يستقم لها ذلك. وقد رامت الفرس والروم وغيرهما مثل ذلك فكانت طبيعة جزيرة العرب الوعرة لها أعظم حماية. قال الأخنس بن شهاب:
لكيز لها البحران والسيف كله ... وإن يأتها بأس فن الهند كارب
تطاير عن أعجاز حوش كأنها ... جهام هراق ماءه فهو آئب
والحوش من الإبل قيل أصلها من الجن. وشعر الأخنس يدل على أن الهند أو فارس كانت تروم قهر حواضر المشرق من الجزيرة العربية.
كانت حياة البادية والحاضرة ملتحمتين متكاملتين. البادية تحتاج إلى البئر والسوق والحواضر لأهل البوادي ملجأ في زمان الجدب. والحاضرة ردء لها ومنعة وملاذ في البادية. وقد كانت الحواضر مما تفزع من كل غاز إلى بواديها فيعييه أمرها، كالذي صنعه عبد المطلب وقريش لما غزاهم أصحاب الفيل. لذلك كان العرب حقًّا متبدين وهم في مكة أو الطائف أو حجر، كما لو كانوا بالصمان والمتثلم وبوادي الحجاز ونجد.
وكانوا متحضرين وهم في تلك البوادي لطروق أرقى تجارة ذلك العالم قراهم وإلمامهم بتلك القرى مع الصلة الواشجة بها في جوارٍ وحلف ونسب -كالذي بين قريش وكنانة والأحابيش مثلًا، والذي بين هوازن وثقيف، وبين بني حنيفة وبطون من تميم.