وعند زهير الفطنة. بها قدر على المدح والحكمة والتجويد. وقالوا: الأعشى إذا طرب، ومع الطرب السخاء، وذلك أن يصدر القول والإيقاع وما هو من معدن الشعر كل ذلك بأريحية وتدفق. وكان الأعشى شاعرًا متنقلًا، متغنيًّا كما وصف نفسه فقال:
وكنت امرأً زمنًا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغن
وكان من نعات الخمر.
غير خاف أن قولهم امرؤ القيس إذا ركب وزهير إذا رغب والنابغة إذا رهب والأعشى إذا طرب مرادة به الإشارة إلى صفة الخيل والمدح لهرم والاعتذار للنعمان والخمر التي كان بها الأعشى كلفًا ولوصفها محسنًا- ولكنه مراد به أيضًأ نعت عام لهؤلاء الشعراء وتنبيه على الإحسان الذي تفردوا به. وقد جاءت أوصاف أكثر تفصيلًا عنهم رويت عن عمر وعن علي وغيرهما مما يزيد من سعة مدلول الاختصارات الأربعة التي اختصروها.
ثم نعت زهير بالرغبة ليس بناقيها على امرئ القيس ولكن اعتلاء الصهوة أبرز في أمره. وكل من الأربعة شجاع لأنه أقدم فقال. واستخرج القول من أعماق نفسه فسخًا به. وجوده وأعمل الفطنة في اختيار معانيه ومبانيه.
توازن عناصر الشجاعة والفطنة والسخاء والفصاحة توازنًا فنيًّا بيانيًّا هو الذي ينشأ عنه الجزالة وشدة الأسر وصفاء الديباجة ونصوع البيان فتهتز له النفوس وتنشرح له القلوب. وهذا التوازن الشعري الفني البياني تعبير عن التوازن الروحي الكامل بين عناصر بداوة العرب وحضارتهم.
كان العرب عندما أقبلوا على الفتوح أجود خيولًا وأحد سيوفًا وأسد رماية وأكرم قيسًا وسهامًا وأهدى بالطرق وأخبر بأحوال الأمم التي حولهم من الروم والفرس وكانوا أعظم آفاق ثقافة ومدى فكر لأنه لم يكن لا للروم ولا للفرس مثل