وإنشاء الأسطول حتى هزموا به الروم في ذات الصواري على زمان عثمان رضي الله عنه ثم ما كان من جدل محتدم سبق الفتنة وتلاها حتى قامت الفرق بما فيها من مناظرات وعقائد ومذاهب، وما سيق من خبر السبئية وعبد الله بن سبأ وما أرى إلا أنهم إنما أرادوا النسبة إلى اليمن بهذه التسمية لأنه كانت لعلي كرم الله وجهه باليمن شيعة منذ زمان مبكر كما يفهم من خبر ابن عباس مع الحسين بن علي رضي الله عنهم، إذ نهاه عن التوجه إلى العراق وأشار عليه باليمن لأن لأبيه بها شيعة -كل هذا منبئ عن وجود حيوية فكرية لا يتأتى مثلها عن الفطرية التي هي ضرب من البدائية والسذاجة التي هي ضرب من بساطة الجهلاء- وكلا هذين وصف نقادنا الآن أسرع إلى إطلاقه على العرب الأقدمين يضاهون به كلام بعض متعصبي المستشرقين كما قدمنا.
لما اتسعت رقعة دولة الإسلام ومصرت الأمصار انثال عليها العرب من بواديهم وقراهم وما حولها. وقويت شوكة الخلافة، فأغنت هيبتها عن حاجة قار إلى بادٍ في أمر الحماية والامتناع من الغزاة. كان العرب في صحرائهم بالتحام بداتهم مع حضرهم أعزاء مستعصين على كل غازٍ محتاجة إليهم روم الدول وفرسها. المناذرة والغساسنة كلاهما كان ملكهما شيئًا أحدثه الفرس والروم يتقون به العرب، ويتوصلون به إليهم. كان مجنًّا ومعبرًا. فلما جاءت الخلافة أزالت المجن والمعبر إذ صار العرب هم خلائف الأرض مكان الفرس والروم. ولكنهم بصنيعهم هذا أدخلوا من حيث لا يحتسبون عوامل الضعف والاختلال في التوازن الذي كان حافظًا عليهم كيانهم البدوي الحضري. ولعل الخلافة لو قد استمرت راشدية لكان ذلك أبقى على مادة العرب، ولكنها صارت ملكًا عضوضًا، وداخلته العصبية والاستبداد وسائر المؤثرات التأريخية التي أحسن ابن خلدون تفصيلها في هذا الباب. على أن «لوًّا» قليلة الغناء في هذا الموضع. إذ الخلافة الراشدية نفسها إنما قامت على تقديم قريش لقوة عصبيتها في العرب. وصدق الله العظيم سبحانه وتعالى وجل من قائل إذ يقول: