أحست العرب على رأسها سادتها في أيام دولة بني أمية بدبيب اختلال التوازن وكان الشعر ديوان العرب. فكان الحرص أشد على أن يظل معبرًا عن مادة البداوة، التي جعلت الآن أهميتها تقل، وحاجة الأمصار إليها تضعف، والتحام خشونتها بلين الحواضر ينفصم. ومن أجل ذلك كان الشعراء يستقدمون من بواديهم فيفدون على الخلفاء وعلى الولاة. وقال الفرزدق يخاطب الخليفة:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا ... هموم المنى والهوجل المتعسف
وعض الزمان يابن مر وإن لم يدع ... من المال إلا مسحتًا أو مجلف
وقال جرير:
تعرضت الهموم لنا فقالت ... جعادة أي مرتحلٍ تريد
فقلت لها الخليفة غير شك ... هو المهدي والحكم الرشيد
قطعن الدام والأدمى إليكم ... ومطلبكم من الأدمى بعيد
نظرت من الرصافة أين حجر ... ورملٌ بين أهلهما وبعيد
ثم استقدم الرجاز، وكانوا أشد إيغالًا في وحشية البداوة، ثم انقطعت مادة الشعر الجزل الأصيل البداوة والرجز الخشن أنفاس الصحراء، وذلك على أيام الدولة الثانية، فاستقدم الأمراء والخلفاء العلماء من أمثال الأصمعي والليث بن المظفر بن نصر بن سيار الليثي (نصر بن سيار آخر ولاة بني أمية على خراسان) والفراء، وكان هؤلاء بقية البداوة من بقية فصائحها. كان مربد البصرة زمان بني أمية ملتقى الرجاز والشعراء. ثم صار ملتقى حفظة اللغة وطلابها على زمان أبي نواس وأشياخه، ثم كما كان يفد الرجاز والشعراء من قبل بالغريب على الخلفاء والولاة،