جعل فصحاء البدو يفدون فيأخذ النحويون وأهل الرواية منهم وخبر المسألة الزنبورية معروف.
كان هذا الحرص على اقتناء مادة البداوة في الغريب العويص رجزًا وشعرًا وأوابد كلمات والاشتداد في طلب ذلك صادرًا عن إيمان عميق بأن البداوة شيء ضروري لحيوية روح العرب مهما يصيبوا من نصيب التحضر وعن اعتقاد راسخ أنها متى زالت زال الروح العربي الحي أو باخ أو حدث به ضرر عظيم. روي أن أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين سأل إجازة بيت ووعد أن يجيز من أجازه شيئًا كان عليه من ثيابه ردا أو بردًا -وليرجع القارئ الكريم إلى نص الخبر في الأغاني عند أخبار بشار- قالوا وأنشد:
وهاجرة نصبت لها جبيني ... يقطع ظهرها ظهر العظاية
فأجاز بشار على الفور:
وقفت بها القلوص فسال دمعي ... على خدي وأقصر واعظايه
فأعطاه المنصور ما وعد. وما أجدر هذا الخبر أن يكون صحيحًا لما في بيت بشار من الذكاء وكأنا نبصر رأس ضريره يهتز بإنشاده قالوا وكان بشار جهير الصوت رائع النشيد. وعندي إن صح هذا الخبر، وهو إن شاء الله صحيح، أن المنصور رحمه الله إنما صدر في الذي صنع عن روح تعلق أصيل بأسباب البداوة والعروبة الحقة. والبيتان في رويهما الظاء ولزوم لما لا يلزم. وهذا كما ترى جمع بين غريب وبديع.
وكأن طلب الغريب ضرب من البديع أو أخ له، على ظاهر أمر اقتران الغريب بالبداوة واقتران البديع بالحضارة.
وعلى قرىٍ من نوع قرى المنصور إذ جاء ببيته العظائي فأجازه بشار ببيته الواعظائي كان على الأرجح مجيء رؤبة بما جاء به من قوافي الظاء والغين والشين وما