للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبه مما عابه عليه أبو العلاء، ولقد جاء أبو العلاء بعد زمان رؤبة بثلاث مئات أو نحوها فجاء بل حروف المعجم في لزومياته وفيهن الظاء والشين وما عابه على رؤبة. أم ليت شعري إنما جعل هذا على لسان ابن القارح كراهية أن يجعله صادرًا مباشرة عن نفسه، وإلماعًا إلى أن هذا ذوق أهل عصره؟ مهما يكن من شيء، فإن غريب أبي العلاء قد كان طرفًا من حبه بداوة العربية أن تكون أبدًا ليست عن جوهر بلاغتها بمعزل، إذ لا تكون العربية حقًّا ذات بلاغة بدون بداوتها. وقال في العينية التي ودع بها بغداد:

وما للفصحاء الصيد والبدو دارها ... بأفصح يومًا من إمائكم الوكع

ومع فتنته ببغداد هنا، قد ترى أنه قرن الفصاحة بالبداوة. قد كانت عقيدة الإبقاء على البداوة متمكنة من أعماق نفسه. وقد كان كما قال الذهبي، شيخ الأدب.

ذكر ابن المعتز أن البديع في العربية قديم وليس بأول من فطن إلى ذلك وإنما خصصناه بالذكر لمكان كتابه البديع وقد ساق فيه أمثلة من جناس القدماء وصناعة بديعهم.

كان البديع زينة تزين به الفصحاء كلامها. وطلب الزينة من طبع البشر وإن يكونوا بدوًا وإن يكونوا همجيين أو بدائيين. وقد ذكرنا أن بداوة العرب كانت وثيقة الصلة بزينة الحضارة -حتى إن منها ما داناها مداناة آخذة بنصيب وافر منها كالنابغة الذي كان له حصن على رأس جبل منيف أحل به أهله وزعموا أنه كان يأكل في صحاف الذهب، قال:

وحلت بيوتي في يفاع ممنع ... تخال به راعي الحمولة طائرا

حذرًا على ألا تنال مقادتي ... ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

<<  <  ج: ص:  >  >>