هو الحوشي ولكن الحاجة إلى الاستدلال عليه قد تدعو إلى طلب شعر الأعراب أولى العجرفة وفيه الحوشي مع الغريب. ثم قال:«ولأن من كان يأتي منهم بالحوشي لم يكن يأتي به على جهة التطلب والتكلف لما استعمله منه لكن بعادته وعلى سجية لفظه»، ثم زعم أن من الأعراب من يتكلفه، وهذا داخل في ما قدمناه من وفود الأعراب ببضاعة من الغريب وما هو أغرب منه وهو الحوشي يزجونها إلى الأمصار. قال:«فأما أصحاب التكلف لذلك فهم يأتون منه بما ينافر الطبع وينبو عنه السمع مثل شعر أبي حزام غالب بن الحارث العكلي» وأنشد شيئًا من شعره أوله:
تذكرت سلمى وإهلاسها ... فلم أنس والشوق ذو مطرؤة
والإهلاس نوع من الضحك والمطرؤة من طرا الشيء أي يجعل الأمر يطرأ على قلبك أي يجعلك تتذكر وهكذا استعمال هذه الكلمة في الدارجة يقولون طرا واطرى (١).
وأنشد كلمة لشاعر محدث أنشدها اللغوي ابن الأعرابي جاء فيها:
حلفت بما أرقلت نحوه ... همرجلة خلقها شيظم
وما شبرقت من تنوفيةٍ ... بها من وحي الجن زي زيزم
قال قدامة فبلغني أنه أنشد ابن الأعرابي هذه القصيدة فلما بلغ إلى ههنا قال له ابن الأعرابي إن كنت جادًا فحسبك الله.
الزيزم بكسر الزاي صوت الجن وأضاف الشاعر قبله زي يكسر وأشباع.
ومن اضطراب قدامة في هذا الباب رجوعه عما قد قدمه من أن الحوشي يطلب للحاجة الماسة إلى معرفة الغريب وأنه يجيء بلا تكلف فذكر أن من الأعراب من
(١) () طرا حقها أن تكتب بالياء لأن اليائي في دارجتنا تنقل كسرة ثانيه إلى أوله. رضي تصير رضا وكأن الفعل أصله في العامية طري فصار بكسر أوله وكتبناه بالألف نظرًا إلى طرأ المهموز الفصيح واطرى تفعل بتشديد العين.