المؤمنين وأن الحجاج وهو الخطيب المصقع قال لأحدكم كم عطاءك فقال ألفين فقال له ويلك كم عطاؤك فقال ألفان -فزع القوم إلى بقية البادية. أول الأمر بجد وإلحاج يطلبون به أمرًا من سنخ معادنهم وضرورة لا يستغنون عنها بحال يدلك على ذلك مثلًا خبر كثير مع يزيد بن عبد الملك إذ أنشده بيتًا للشماخ فيه «قتين» وسأله عن معناه فلما لم يجبه (سأما لا جهلا) جعل يقول له «بصبصن إذ حدين» فزجره يزيد وقال له ما معناه هو القراد أشبه خلق الله بك. ثم صاروا بعد الجد يطلبونه استطرافًا -فصار الغريب كما ترى كأنه ضربٌ من الزينة، كأنه هو ضرب من البديع.
شينات رؤبة وظاءاته وضادية الطرماح وأغراب الكميت وأوابد ذي الرمة- كل ذلك كان لونًا من جد الفزع إلى البداوة مخالطه شيء من روح استطرافها والتزين بها. وإن كان في رؤبة وأبيه وأكثر الرجاز حوشي وتوحيش أحيانًا فقد كان في الكميت أسلوب كأنه درس علمي واستقصاء لأحوال ما كانت عليه البداوة، كقوله مثلًا «ولم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب» ولها أمثال في الهاشميات وكقول الطرماح «أمارت بالبول ماء الكراض» وقوله «حين نيلت يعارة في عراض» ورووا عن رؤبة أو ذي الرمة أن الكميت والطرماح كانا يلقيانه فيأخذان منه الغريب فيوجد من بعد في أشعارهما وكان معلمين. وقد كان في شعر ذي الرمة غريبه عن اختيار وتلذذ. مع ما تقدم ذكره من تتبعه لشعر القدماء بتأمل كالشرح مثل قوله في الظليم:
كأنه حبشي يقتفي أثرًا ... أو من معاشر في آذانها الخرب
فهذا تتبع فيه قول عنترة «كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم» وقوله يقتفي أثرًا يشير به إلى طأطأة الرأس. وقوله في آذانها الخرب شرح وتوضيح لقول عنترة «الأصلم» وقد استكمل سائر نعت الصورة في أبيات البائية.
قد نسب النقاد أولية البديع لابن هرمة وبشار مع الذي تقدم من قولهم بقدم