للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوًا بلاقع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع

أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع

أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلمة قمت راكع

فهذا كلام جليل شديد الأسر، لم يقصد به إلى رقص أو نياحة، وإنما أريد به الرثاء على طريقة الشعر الرصين التي يعرفها لبيد ويجيدها. ومثل هذه الموازنة بين منسرحية لبيد الدالية وسائر مراثيه في أربد من البحور الطوال يمكن أن نجريها بين عينية أوس بن حجر في المنسرح (١):

أيتها النفس أجملي جزعا

وعينية مالك بن نويرة في الطويل (٢):

لعمري وما دهري بتأبين هالك

وسيأتي الكلام على هاتين القصيدتين عندما نتحدث عن البحر الطويل.

وخلاصة ما قدمناه لك من القول أن بحر المنسرح -بحسب ما نجده في أشعار الجاهليين- بحر لين ذو لين جنسي لم يكد يخرج عن صنفي الرثاء النائح والنقائض الهجائية وما يتبعهما من غزل أو شبهة. وقد وجد فيه الإسلاميون الحجازيون بحرًا يلائم مذاهبهم اللينة الغنائية -كما وجدوا في السريع والأحذ- فأكثروا منه ولا سيما ابن قيس الرقيات وابن أبي ربيعة. ولابن قيس الرقيات في المنسرح كلمته المشهورة (٣):


(١) الكامل للمبرد ٢٧٣: ٢ - ٢٧٤.
(٢) المفضليات ٥٢٦.
(٣) الأغاني ٧٩: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>