ذلك من بد وحام ليرد من مستنقع الماء (أي حيث يجتمع الماء) مرة أخرى. وجعل ابن هرمة ورده الأول الذي ورده حلوًا كالعسل إذ الماء الذي ورده وهوع عهد حرارة الحب الأول ما هو إلا عسل. ثم صارمت سودة. وتغيرت موارد الوصل وصارت ماء لا عسلًا فحام مع هذا يطمع في ورد المرة الثانية بعد أن حلئوه أي منعوه ورد الرداه التي ماؤها عسل. ثم شبه حاله وحال سودة بحال حمام هدر يدعو حمامًا آخر بهديره، فسد هذا المدعو مسامعه لما رأى صاحب الداعي له ذا طموح من أمل الوصال. وما الداعي المشتاق إلا الشاعر وطموحه كطموح سوائم عطاش في مكان ذي لمع من النبت أي قليل النبت في حال انها ترى سرارة الوادي ممرعة في سهل كثير الخصب في ترابه الخصيب للقافية سهل بكسر السين وفتح الهاء جمع سهلة. بوزن فعلة كلحية قال الفيروز أبادي في القاموس إنها تراب كالرمل يجيء به الماء قلت وهو المراد ههنا وضبط الكلمة بالتحريك غير واضح المعنى. وملمعة لو نصبت لكان وجهًا أي سارحة في بيداء ملتمعة ولعلها كذلك. قال في القاموس واللمعة بالضم قطعة من النبت أخذت في اليبس. فما أرى إلا أنه أراد أنها ترعى اللمع. والحوم هنا مصدر يدل على معنى العطش لأن الحائم هو العطشان ويجوز، بل أرجح أنها حوم بضم خالص كقول علقمة «حانية حوم» والشعراء مما يتبع بعضهم بعضًا.
الذي صنعه ابن هرمة من صميم البديع. وعلى متانة أسره وقلة فضوله فالعمل فيه ظاهر وقد ذكر أبو الفرج أن بعض أهل العلم بالشعر والنسب على زمان ابن هرمة كان يعيبه فهجاه ابن هرمة أو توعده قائلًا:
إني إذا ما امرؤ خفت نعامته ... إلى واستحصدت منه قوى الوذم
عقدت في ملتقى أوداج لبته ... طوق الحمامة لا يبلى على القدم
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفاء لكن لساني صائغ الكلم