وهي قصيدة نحو الثمانين بيتًا وما زال المحدثون يظهرون اقتدارهم في هذا الفن إلا أنه قلما يقع في ذلك بيت مستحسن، فلذلك تركنا أن نمشي مع أشعار هذه المقامة فيما يماثلها، وقد أكثر الناس القول في ذلك، وفائدته أن يقال: قدر على لزوم ما لا يلزم لا أن يقال قد أحسن فيما قال، وقد أنشد أبو القاسم أيضًا أبياتًا لا تنطبق عليها الشفاه، منها:
أتيناك يا جزل العطية إننا ... رأيناك أهلًا للعطايا الجزائل
قلت هذان البيتان غير داخلين في باب ما ليس بمنقوط ولكن يدخلان في باب لزوم ما لا يلزم والصناعة البديعية على مذهب المعري. ومجيء الشريشي بهما مع ما تقدم من أبيات عدم الإعجام يشهد بأن هذا على تكلفة داخل في البديع. والنسب بينه وبين الغريب والحوشي غير جد بعيد. فهذا كما ترى يرجع بنا إلى ما قلناه في أول كلامنا في هذا الباب وهو المراد.
وقد ظلت أعجب دهرًا لماذا قصر ببشار عن درجة ابن هرمة -أهو أنه لا بقرشي ولا مولي لقرشي، وإن كان نحو هذا مما يكون سببًا ثانيًّا وثالثًا لا سببًا أول. ثم تأملت ميميته التي أولها:
أبا مسلم ما طول عيش بدائم
أو كما ذكر أبو الفرج:
أبا جعفر ما طول عيش بدائم
وانظر الموضوع في الأغاني وفي ملحق ديوان بشار للشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله (طبع القاهرة ١٣٨٦ هـ- ١٩٦٦ م الجزء ٤ ص ١٦٧).