قبيل ترك الأعجام أو مدانيًا لذلك، بحوشي رؤبة وأبيه. وقد سلمت له أشياء حسان مثل قوله في أبي جعفر المنصور:
له نظرات عن حفافي سريره ... إذا كرها فيهن بأس ونائل
فأم الذي آمنت أمنة الردى ... وأم الذي خوفت بالثكل ثاكل
وقوله:
ومهما ألام على حبهم ... فإني أحب بني فاطمة
بني بنت من جاء بالبينا ... ت والدين والسنة القائمة
وكذلك أنصفوا إذ جعلوا بشارًا للمحدثين أبًا، ذلك بأنه على نشأنه عربيًّا قد كانت الحضارة أعلق بنفسه، وكانت بداوة الفصاحة -أعني بداوتها الروحية الفنية- شيئًا منوطًا بذوقه الحضاري كما زعمنا أن البديع المصنوع كان منوطًا بذوق إبراهيم البدوي السنخ. وليست المسألة في جوهرها مسألة نسب، كلا ولا مسألة مقام جغرافي بيئي، فقد مر بك خبر إسماعيل بن يسار، والنصيب الذي كان قبل أن يعتق عبدًا مملوكًا. وإنما البداوة في سنخها شيء من القلوب. وقد كان الوليد بن يزيد بدوي الروح مع تغلغله في الحضارة وسباحته في أنها الخمر وبذلك أمكنه أن يقول:
ذروا لي هندًا والرباب وفرتني ... ومسموعة حسبي بذلك مالا
خذوا ملككم لا بارك الله ملككم ... فليس يساوي عند ذاك قبالا
وخلوا سبيلي قبل عير وما جرى ... ولا تحسدوني أن أموت هزالا
وقد كان الحجاج بن يوسف وجرير بن الخطفي كلاهما عربيًّا قرويًّا، وكانا مع ذلك أبدى بداوة من مالك بن أسماء بن عينية بن حصن بن فزارة وهو ابن الصحراء. وهو القائل:
إن لي عند كل نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا