الخليفة فقال انه يثقب اللؤلؤ. وعلى سخريته فقد أحسن في نعت نفسه إذ كان كل إحسانه مداره على التحسين والتزيين، منوطة إليه الفصاحة. لم يكن يحتاج إلى أن ينظم كلمات غير معجمة الحروف ليظهر مقدرته على تصريف البيان، فقد أغناه عن ذلك اقتداره على أن ينظم معاني معجمة، إذ إعجام المعاني حتى تنكشف عن شراسة ما في القلوب وجسارة ما في العقول، هذا من أسرار البداوة. إذ البداوة البيانية كما قدمنا أمر روحي. ولذلك زعم أبو عمر بن العلاء أن شعراء العرب د كانوا فيهم كأنبياء بني إسرائيل في بني إسرائيل. وقد كان في بني إسرائيل مدعون للنبوة لأن الناس على حاجتهم إلى النبي، قد كان لما في قوله من الحق بغيضًا. وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ}. وكان أنبياؤهم إذا نصروا لم يدعوا أدعياء النبوة حتى يقتلوهم. وقالت العرب:
وإن أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
وقالوا: أحسن الشعر أكذبه، لما فروا من حرارة لفح الصدق. وحمل قوم معنى هذا على المبالغة.
وأهل الحضر أفر شيء من صرامة صراحة القول. فكان الشاعر الوشاء المزخرف أحب إليهم. ثم اهل الحضر يرتاحون إلى لهو القول. فكان بعض هذا الزخرف لهوًا. وكان ذلك صنعة بشار، لآلئ من معان حلوة. ولآلئ من رفث القول:
قد لامني في خليلتي عمر ... واللوم في غير كنهه ضجر
أحب إلى ذوق الحضري السوقي المزاج من:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر