للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحوله لممدوحه. ومن الإنصاف له أن نقول: إن كلام بشار لا ماء فيه ولا رونق في بائيته هذه جميعها.

ولقد تحامى البحتري بفطرته وحدسه الصادق بحر المنسرح، فلم يقع فيما وقع فيه أستاذه من الإسفاف. وقد كان في تقصير هذين الشاعرين العظيمين: أبي تمام وأبي عبادة، عن أن يجيدا في هذا البحر أثر خطير عليه، إذ انحدر فيما بعد عن مكانته بين البحور المهايع التي ذللها المولدون الأولون إلى مكانة ثانوية، فصار يتعاطاه أمثال أبي بكر بن العلاف في داليته المشهورة:

يا هر فارقتنا ولم تعد ... كنت فينا بمنزل الولد

وأبي سعيد الرستمي في بائيته (١):

لهفي على ذلك الجواد وهل ... يفك رهن المنون نادبه

لو كان غير الممات حاوله ... لفللت دونه مخالبه

أو كان غير المنون يخطبه ... زمل أنف أبداه خاطبه

أو حارب الدهر مشفق حدب ... لقمت في وجهه أحاربه

والأولى في رثاء هر، والثانية في رثاء فرس، وشبيه بهذا العبث والهزل ما جاء به الواساني في لاميته المقذعة التي وصف بها حادث لواط آية في البشاعة (٢).

ولم يرفع المنسرح من الوهدة التي قذفه فيها تنكب أبي تمام له [إلا فيما قل] وإعراض البحتري عنه على وجه الإجمال، شاعر بعدهما إلى يومنا هذا -اللهم إلا ما حاوله المتنبي في كلماته (٣):


(١) يتيمة الدهر للثعالبي ٣: ٢٢١.
(٢) نفسه ١: ٣٤٩.
(٣) ديوانه - ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>