للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن الذي صنعه البحتري وأبو الطيب من قصائد الشكوى هذه إن كان إلا تمهيدًا لما أخذ فيه الشعراء من بعد من أصناف التأمليات وما أشبه مما يجعله الشاعر خالصًا للشكوى وللفن ولا يعمد فيه إلى المدح.

وقد أصاب أبو العلاء من المدح جانبًا ثم أضرب عنه. وقد نظم في عينيته:

لا وضع للرحل إلا بعد إيضاع

فخاطب بها الإسفرائيني أبا حامد فلم يجد عنده عونًا. وقصيدته في رثاء ذي المناقب والد الشريف الرضي:

أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف

كأنها لون من المدح وقد مدح فيها الرضي والمرتضى والمرضي أبناء ذي المناقب.

الموقدي نار القرى الآصال والـ ... أسحار بالأهضام والأشعاف

حمراء ساطعة الذوائب في الذرى ... ترمي بكل شرارةٍ كطواف

وهذا كما فطن الزمخشري يشير به أبو العلاء إلى آية «المرسلات» إلا أنني أحسب جار الله قد جار شيئًا على رهين المحبسين.

وكانت مدائح الشريف من مدحهم بمنزلة الإخوانيات لعلو مرتبته حتى لم يكن فوقه إلا الخليفة وقد ذكر ذلك صريحًا حيث قال:

مهلًا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوق

وكانت مراثية بمنزلة المدائح، وحتى فيهن لم يكن ينسى علو منزلته وشرفه كقوله في الصابي:

<<  <  ج: ص:  >  >>