للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن أبا العلاء إنما كان جريئًا مقداما على القول في العموميات من مسائل الفكر والسياسة والاجتماع والدين، والشواهد على ذلك كثيرة، وكان مع هذا كثير الاحتراس، مستعملًا لأسلوب التقية يخاتل به نحو: «وقيل يجيء دين بعد هذا» ونحو:

جائز أن يكون آدم هذا ... قبله آدم على إثر آدم

وقوله:

ما الحج في رأي قوم لست أذكرهم ... إلا بقية أوثان وأنصاب

وأشياء كثيرة من هذا المجرى في اللزوميات ورسالة الغفران.

ولم يكن أبو العلاء جريئًا مقدامًا على القول الصريح فيما يتناول أناسًا بأعيانهم أو قضايا بأعيانها. وقد فطن لهذا من أمره ياقوت حيث أورد المناظرة الرسائلية بينه وبين داعي الدعاة. وجلي أن أبا العلاء آثر التقية والمراوغة. وأما نحو قوله الذي مر في طارق الذي ارتد فإنما جسره عليه أن الرجل قد غيظ منه المسلمون بذلك الصقع أجمعون فكان أبو العلاء في مأمن إذ هجاه وقد سر الناس بما قال وصحح أمر عقيدته عند من عسى أني كون شاكًّا غف أمره، إذ الغضب للإسلام من أدلة صحة العقيدة وصدق الإيمان. ونحو قوله:

أقيمي لا أعد الحج فرضًا ... على عجز النساء ولا العذارى

فما عدا فيه قول من منع النساء من المساجد، ثم قد احتج بقوله:

ففي بطحاء مكة شر قوم ... وليسوا بالحماة ولا الغيارى

ترى أبناء شيبة سادنيها ... إذا راحت لكعبتها الجمارى

قيامًا يدفعون الناس شفعا ... إلى البيت الحرام وهم سكارى

وهذا إنما حكى به بعض ما روى له، وكان في بعد المسافة بين الشام

<<  <  ج: ص:  >  >>