فيكم قوة، وكل ذي قوة فليس من حدثان الدهر ولا من حمام الموت بمأمن، فسيروا إلى الموت سيرًا جميلًا- سير شجعان مقدمين على الحرب معدين لها عدتها رماحًا وخيلًا ودروعًا جيادًا.
تربص أبو العلاء وتريث حتى ثار أهل المعرة بصاحب الماخور ثم قال:
أنت جامع يوم العروبة جامعا
الأبيات، وفيها غضبة، ولكنها تتضمن مدحًا لقوم غضبوا قبله، فقال ما قال وهو آمن.
وتأمل قوله لصالح بن مرداس، وقد بعثه قومه بالمعرة شفيعًا فيهم:
ولما مضى العمر إلا الأقل ... وحان لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعًا إلى صالح ... وذاك من القوم رأى فسد
فيسمع مني سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق ... فكم نفقت محنة ما كسد
يعني بهذا النفاق، الملق الذي تملق هو به صالحًا في سجعات ذكروها. وقد ذهب أبو العلاء في هذه الأبيات مذهب أهل الزهد والمسكنة- وعسى أن يكون عبر بها عن ندم صادق.
وتأمل أبيات بشامة، كيف رتب على الفكرة الواضحة عنده، إما الذل وإما حرب الصديق، اختيار الحرب ثم فرع من ذلك أمر السير إلى الموت والاستعداد للحرب وألا يقعدوا وبهم منة- ونقول على باب الاستطراد والشيء بالشيء يذكر أن زهيرًا إنما نظر في المعلقة إلى أبيات خاله هذه، حيث قال:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو ... وما هو عنها بالحديث المرجم
الأبيات، فرع من معاني شؤم الحرب وكراهتها ما يشبه في طريقة التفريع