والتدرج مذهب خاله الذي قدمنا. وعندنا أن جعل زهير تلميذًا لأوس حج أمرٌ فيه نظر. وقد نبهنا القدماء إلى تعلمه الشعر من خاله بشامة في خبر الميراث الذي ذكروه.
هذا ولم يكن المعري جبان القلب، أمرًا حتمًا نقول به، لا ولا منافقًا عن غريزة نفس. ولكنه قد صار ضريرًا. فأكثر تهيبه وتحرزه راجع إلى ضرره. وقد مر بك قوله يعتذر عن ترك الحج:
فقلت إني ضرير والذين لهم ... رأي رأوا غير فرضٍ حج أمثالي
ولقد كان بارعًا رحمه الله في الاحتماء بما أتاح له ضرره، وعلمه وذكاؤه وهو ضرير، من أساليب التقية. وقد أمكنه هذا المذهب من التقية من ضروب من حرية القول في الأديان وأحوال المجتمع- ولكنه قد جعل النظم مركبًا ذلولًا، فينبغي التنبيه ههنا على أن شعره إنما هو في سقط الزند والدرعيات وأشياء قليلة بعد ذلك. وقد كان الدكتور طه حسين على شدة حبه لأبي العلاء يرى أن شعره الجيد في سقط الزند. وكان في سقط الزند متبعًا لأبي الطيب وأبي تمام معًا وللبحتري أحيانًا.
واعلم أصلحك الله أن الشعر حق الشعر والتقية لا يجتمعان لأن الشعر من أصل معدنه ألا يتهيب.
وقد كان بشار ضريرًا ولكنه لم يكن صاحب تقية، فجر ذلك عليه أن قتله خليفة كان يسعه عفوه وهو له نديم. وأشد من ذلك جر عليه أن أهمل شعره الذي هجا فيه بعض من له خطر من أهل المقالات في زمانه. وأورد له الجاحظ البيت والبيتين في هجاء واصل:
مالي أشايع غزالًا له عنق ... كنقنق الدو إن ولى وإن مثلا