وينبغي أن يكون بعض خلصاء بشار قد وصف له هيئة واصل مقبلًا وموليًّا.
عنق الزرافة ما بالي وبالكمو ... تكفرون رجالًا كفروا رجلا
وأتبع ذلك بهجاء من هجوه فأفاض.
وقد كان شعر أهل الزندقة وأهل الأهواء المحفوظ لدى المروي كثيرًا. من شواهد ذلك إثبات أبي العلاء ما أثبت منه في رسالة الغفران ولكنه أضاعه عدم التقية فكره أهل الصلاح روايته من بعد فأضيع.
ومما أعان على بقاء لزوميات أبي العلاء على ما فيها من التقية والعقربيات (بتقديم العين على القاف) ما حلاها به من صناعة البديع ومن الإشارات اللغوية والغريب- وكأن هذا انحراف انحرف به أبو العلاء عن مذهب أبي الطيب لما تبين له أنه غير مستطيعه. وقد كان بهذا أحزم في باب الأدب، وأعلم بحدود ملكته ومدى مقدرته على جسارة الشعر الضرورية للتبريز به والبلوغ مبلغ أبي الطيب وأبي تمام وأبي عبادة من معاصره الشريف الرضي.
وقد افتن الناس في البديع وصناعة الشعر عليه افتنانًا -ما كان لفظيًّا منه وما كان معنويًّا- مثلًا كلمة الأرجاني في صفة الشمعة، التي حاكى بوزنها ورويها أبيات القطاة:
أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتًا يوافق نعتي بعض ما فيها
وقد أورد صاحب معاهد التنصيص قطعًا منها وهي طويلة- مثلًا منها:
نمت بأسرتار ليلٍ كان يخفيها ... وأطلعت قبلها للناس من فيها
قلب لها لم يرعنا وهو مكتمن ... ألا ترى فيه نارًا من تراقيها
فيهة لم يزل طول اللسان لها ... في الحي يحني عليها خ=حذف هاديها
غريقة في دموع وهي تحرقها ... أنفاسها بدوام من تلظيها
يخشى عليها الردى مهما ألم بها ... نسيم ريح إذا وافى يحييها