وصيفة لست منها قاضيًّا وطرًا ... إن أنت لم تكسها تاجًا يحليها
صفراء هندية في اللون إن نعتت ... والقد واللين إن أتممت تشبيها
قال صاحب المعاهد في التقديم لهذه القصيدة لما اختاره منها (طبعة مصطفى محمد- القاهرة- ١٣٦٧ هـ- ح ٣ - ص ٤٢/ ٤٣): «وله قصيدة يصف فيها الشمعة وقد أحسن فيها كل الإحسان واستغرق سائر الصفات ولم يكد يخلى لمن بعده فيها فضلًا، ولنذكر منها طرفًا منها إلخ».
والمتأمل لأبيات الشمعة هذه واجد فيها مذهبًا بين اللغز والتشبيه- وهذا هو جانب البديع المعنوي فيها، غوص وتصيد. والبديع اللفظي ظاهر في الجناس والطباق والتقسيم وما هو بهذا المجرى.
هذا وقد بلغ الافتنان البديعي أوجه في مقامات الحريري- وقد جمع فيها بين جاحظية بديع الزمان ومعاصريه من بلغاء أهل الرسائل وصناعة أبي العلاء الفلسفية اللغوية الآخذة بمظهر وقار العلماء وسمت جدهم وفكاهتهم.
وقد كتب الدكتور زكي مبارك رحمه الله وغيره فصولًا صالحة عن المقامة وأصولها وزعم أن ابن دريد وأحاديثه أصل ذلك. ولعل هذا الوجه الذي ذهب إليه هو الصواب. غير أن في كتب الأدب التي بين أيدينا ما يدل على أن المقامة شيء قديم عرفه العرب في جاهليتهم وإسلامهم. قال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
وقال تعالى انبينا عليه أفضل الصلاة والسلام: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا