للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْمُودًا} والمقامة المجلس وكذلك المقام ولا يكون المجلس مجلسًا إلا وفيه حديث وقد كان في كلتا الدولتين الأموية والعباسية أصحاب مقامات، مثل سحبان وخالد بن صفوان من أهل الخطابة وغيرها من ضروب الوعاظ والقصاص الذين أورد الجاحظ نوادر وملحًا عنهم وأصحاب الكدية ومن إليهم. ومقامات الزمخشري قد نحا فيها نحو الوعاظ وليس له فيها عيسى ولا حارث. وما كان مكان الراوي في نهج البديع والحريري عليه بذي خفاء وهو بعد الذي قال:

«إن الحريري حريٌّ بأن ... نكتب بالتبر مقاماته»

وقد كان بديع الزمان حاد الذهن، ذا جرأة وشر وخبث لسان ودهاء وبديهة وارتجال، نقل الشريشي عن بعض أشياخه أن البديع أملى مقاماته كلها ارتجالًا قال كان يقول لأصحابه في آخر مجلسه اقترحوا غرضًا نبني عليه مقامه فيقترحون ما شاءوا فيملي عليهم المقامة ارتجالًا في الغرض الذي اقترحوه وهذا أقوى دليل إن صح على فضل البديع. أ. هـ.

وإن صح وهو صحيح إن شاء الله تعالى لما عرف من بديهة البديع وفوران مرجله قال البديع لا يكون قد اخترع فن المقامة، ولكنه حاكاه، إذ هو لم يقم بما صنع مقام خطيب سحباني أو صفواني أو مقام مكد ساساني أو واعظ أو قاص- ولكن صنع صناعة أديب يحاكي عمل هؤلاء، على سبيل المباراة والمباهاة والإمتاع. مثلًا في المقامة الأذربيجانية: «قال عيسى بن هشام، لما نطقني الغنى بفاضل ذيله، اتهمت بمالٍ سلبته أو كنز أصبته. فحفزني الليل، وسرت بي الخيل. وسلكت في هربي مسالك لم يرضها السير ولا اهتدت إليها الطير. حتى طويت أرض الرعب وتجاوزت حده، وصرت إلى حمى الأمن ووجدت برده. وبلغت أذربيجان وقد حفيت الرواحل وأكلتها المراحل. ولما بلغتها:

نزلنا على أن المقام ثلاثة ... فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>