للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ألسنة مزعومة لهم. وإما كونها غير قصصية لأن قوام القصة على العقدة والعقدة هنا معروفة منذ البدء ان المتكلم مكد وهو أبو الفتح وأن الراوي سيفطن أو قد فطن له. اللهم إلا أشياء شذت كخبر الهزبر وبشر، والقصد إلى الإمتاع بخبر قصير أو نادرة أغلب وأظهر من القصد إلى إيراد حكاية قصة متسلسلة الأحداث منيرة العقدة محكمتها. وإما كونها غير درامية لأنها رواية مملاة ليستمتع ببلاغتها كما يستمتع ببلاغة الرسائل والخطب والقصائد وليست مرادة للتمثيل بالفعل أو بالقوة أو على سبيل التوهم.

المقامة فن جاء به البديع للإمتاع وللسخرية من أناس بأعيانهم وأحوالٍ بأعيانها في عصره وتقمص به من طريق الإملاء في مجالسه قميص صاحب المقامة المكدي، واستعمل أسلوب أصحاب الحديث والجد في العلوم فأسند كلامه إلى راوٍ مزعوم عن بطل مزعوم، الراوي عيسى بن هشام، والبطل أبو الفتح الإسكندري، نسبة إلى إسكندرية الأندلس، بلدة كانت بالوادي الكبير درست معالمها كما ذكر الشيخ محمد عبده رحمه الله في شرحه.

وسوغ له هذا الوجه ما كان من مذهب العرب في الرواية في الشعر والأخبار. وكان قد ألمع إلى هذا من مذهبه حيث زعم في إحدى مقاماته أن راويه عيسى بن هشام لقي عصمة الفزاري راوية غيلان ذي الرمة، وهي المقامة الغيلانية. وعيسى بن هشام والإسكندري كلاهما جعله البديع كناية عن نفسه ليتقمصه ويملي ما عن له وما اقترح عليه على لسانه. وأن يقترح عليه أشبه لما كان مطبوعًا عليه من الجرأة والدهاء والسخرية والهجاء، ولا يخفى أن المقترحين يعمدون إلى أحداث وأحوال وأشخاص مما يعهد فيلتمسون أن يجعله البديع بعبقريته موضوع مقامة.

وكون البديع هو عيسى وأبو الفتح كلاهما، سوغ له مثل إيراد خبر بشر

<<  <  ج: ص:  >  >>