والأسد والحية ومثل خبر عصمة وذي الرمة- في خبر ذي الرمة ما عيسى بن هشام إلا رمز لتحصيل البديع وعلمه، وفي خبر بشر كذلك فأغنى ذلك عن أبي الفتح.
ولا يتسع المجال ههنا للحديث عن البديع وتدفقه المذهل ومقدرته الفائقة على التضمين والاقتباس وهو يرتجل ووصله الشعر بالنثر سهلًا رهوًا كأنه جزء ملتحم به كقوله مثلًا في المقامة الأسدية (وأخذ أكثر أمرها من شعر أبي زبيد وأخبار): وتبادر إليه من سرعان الرفقة فتى:
أخضر الجلدة من بيت العرب ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
بقلبٍ ساقه قدر وسيفٍ كله أثر وعدنا إلى الرفيق لنجهزه:
فلما حثونا الترب فوق رفيقنا ... جزعنا ولكن أي ساعة مجزع
وعدنا إلى الفلاة وهبطنا ارضها ... أ. هـ.
يجوز أن يكون البديع قصد في بعض ما قصده مجاراة شيخ الأدب ابن دريد في أحاديثه كما ذكر الشريشي في نقله عن صاحب زهر الآداب أنه قال إن الذي سبب للبديع رحمه الله تأليف مقاماته هو أنه رأى أبا بكر بن الحسن بن دريد قد أغرب بأربعين حديثًا ذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره وانتخبها من معادن فكره على طبع العرب الجاهلية، بألفاظ بديعة حوشية، فعارضه البديع بأربعمائة مقامة لطيفة الأغراض والمقاصد، بديعة المصادر والموارد. انتهى كلامه. قال الشريشي بعد هذا والذي قصد بها إمتاعه السامع من حديثها وفيها مقامات لا تبلغ عشرة أسطار فجاءت مقامات الحريري أحفل وأجزل وأكمل فلذلك فضلت المقامة البديعية. أ. هـ.
أحسب أن الذي ذكره الدكتور ذكي مبارك رحمه الله في النثر الفني أن